سوريا الغد بين عقليةالثورة والدولة
الثورة فكرة ، والفكرة لا تموت ولا ينبغي أن تموت ، فلم تكن ثورة 2011 حصيلة اهتياج شعبي وتأثر لحظي بثورات الربيع العربي ، بل كانت نتاج تحركات عديدة بدأت في السبعينات وتوجت بالالفية الجديدة ، بل هي نتاج مجموعة من التراكمات القاسية والتي توجت بعمل عسكري ، قلناها قديما في بداية الثورة ما أخذ السيف لا يسترد الا بالسيف، ان كل كلمة في وجه السلطان المتغلب ثورة ، كل رشقة قلم ثورة ،كل صيحة ألم ثورة ، كل هتاف في مظاهرة وكل رصاصة في بندقية كذلك .
كندما قتل أول شهيد في درعا شعرت أن النظام ساقط لا محالة ، وكنت ادرك عظم الثمن وفداحة الخطوب القادمة ..
كلما تأخر الناس عن الاجتماع والوحدة والتكلتل والقوة كلما كانت الفاتورة أكبر ، كالراكب في سيارة أجرة ، كل متر يفرض عليه مبلغا من المال ،
ان قراءة اسباب الثورة وفهم فلسفتها وتأخر نتاجها ، وصعوبة تحقيق اهدافها تمنح الانسان العاقل بصيرة واعية مدركة ان الظلم والاستبداد والحكم الفرد والاستهانة بقدرة الشعب نهايته جحيم ، أو منفى قسري ، فلا ينبغي على اي حاكم ان يفرط في فهم اسبابها وجدوى اشتعالها .
ان قتل الثوار وقمعهم وسحلهم واعتقالهم لا يطفئ الثورة بل يزيد أوارها ، ويذكي لهيبها ،
عقلية الثورة تبنى على الهدم وعقلية الدولة تبنى على البناء ، ولايمكن استصحاب عقلية الثورة في بناء الدولة ولكن !
الثورة الفرنسية أسقطت الملكية الموجودة وطرحت قيم الحرية والمساواة، لكنها مرت بسنوات من الفوضى والإرهاب (عهد روبسبير).
لاحقًا، تمكنت فرنسا من النهوض عندما انتقلت القيادة إلى شخصيات مثل نابليون، الذي ركز هو ورفاقه على بناء الدولة لكن كيف انتهى نابليون ؟
منفيا لقد استسلم بونابرت بعد ذلك للبريطانيين، الذين نفَوه إلى جزيرة القديسة هيلانة، المستعمرة البريطانية، حيث أمضى السنوات الست الأخيرة من حياته.
يقول انتصرت الثورة وحققت اهدافها ، واقول هل حقا حققت اهدافها ؟ هل كانت اهدافها رحيل نظام البعث العميل وحسب ؟ تلك اذا احكام ناقصة ، اسقاط الموظف لا يعني اسقاط من وظفه ، امام الثائرين تحديات جسيمة تتمثل في لصوص الثورة والايادي المشبوهة والمنظمات والشركات العابرة للقارات ، امامهم مجتمع دولي ساقط خبيث كان بالامس يحاول اعادة تلميع الحذاء القديم ، وتجار شبيحة خرجوا من الباب ويريدون العودة من الشباك باسماء واشخاص جديدة ،
الثورة الروسية (1917):
أطاحت بالحكم القيصري، لكن التحول إلى نظام شيوعي ركّز على الصراع الطبقي أدى إلى سنوات من القمع والديكتاتورية، مما أخّر تحقيق الازدهار الفعلي.
محمد مرسي انتهى امره مريضا في السجن لانه اعتقد ان الثورة حققت اهدافها وبلغت مرادها فحكم ولم يملك .
الاطاحة بالنظام اول الثورة وهناك ثورات عديدة يجب ان تتبعها اهما الثورة على الاحكام والتراتيب التي رسخها نظام البعث في النفوس ، حيث يجب هدم منظومة التعليم والاعلام والاقتصاد والقضاء ، وبناء منظومة جديدة تتناسب مع اهداف الثورة والا فان الليل سيكون طويلا والازدهار سيكون مستحيلا ..
نفهم خطابات السياسة واهميتها في عدم اثارة العدو البعيد والقريب ، لكن على شرط ان لا تتحول الى انبطاح ، التسامح لا يتحول الى ضعف وتوزيع مكافئات ،
الدول لا تقوم على منهج التبيعة والارتماء في الاحضان ، بل على القوة والندية ، والعالم كان ولا يزال يحترم القوي ويصغي اليه .
السعي الكبير نحو الاعتراف ، ورفع العفوبات ، واستجلاب الدعم ، دون بناء هيكل سياسي قوي مبني على كفاءات حقيقية ، وجيش يمتلك قوة ردع ، لا يتعدى كونه انتقاص لكرامة الدولة وهيبتها ، بل ورهنها للداعم والموالي ، وما هكذا تورد الابل .
ان اطهر يد هي تلك اليد التي خاطرت بنفسها لتحقق الانتصار والرفعة لقومها وأمتها ، لا ينبغي ان تمد لأي داعم فليس هناك دعم في هذه الدنيا دون مقابل ، فهل يستحق المقابل الثمن ؟
هذا مايجب فهمه ودراسته ، ان العالم يحترم القوي ويجبر على الجلوس اليه وإن أي بناء ليس له قوة تحميه وتردع خصومه لا يتعدى ان يكون ركضا في خلاء يسر صاحبه لكن بلا هدف.
قبل بناء المدن يجب بناء اليد التي تحمي المدن وتحمي الثورة وتقطع كل يد تمتد لتسرق مكتسباتها ، ان الجيش يجب أن يبنى بعيدا عن الفصائلية ، بعيدا عن التحزبات والجماعات ، بعيدا عن الانقلابات ، بعيدا عن اللاعقيدة قتالية ، وهو ليس لحراسة والمدن من أهلها ، ولا لتنظيم المسيرات الاستعراضية وبث الرعب ، ولا ليكون نمرا من ورق منزوع السلاح مشتغلا بالاقتصاد غارقا بالفساد ، كجوائز توزع على ذويه مقابل ثورتهم ، هذا اكبر ما سيحول الجيش الى مرتزقة يصعب عليهم خوض أي مواجهة مستقبلية .
اول الأمر وآخره وذروة سنامه الجيش ، وبلد بلا جيش يعني نمرا من ورق .
لا ينبغي السماح لقادة الجيش وعناصره بممارسة الحياة الاقتصادية ، لأن هؤلاء لهم مهمة وغاية لاينبغي أن ينشغلوا بغيرها فالثورة التي تحكمها عقلية الإقطاع وأمراء الحرب ليست ثورة، بل هي مجرد مال وتجارة حرب ليس سوى .
كان حافظ الأسد يستقدم العلوية ويملكهم المناصب في الجيش ثم يغرقهم بالفساد والمال والسرقات ليضمن ولائهم وحرصهم على مناصبهم ومكاسبهم ، فلم يصمد هذا الجيش أمام (عصابة مسلحة) قامت عليه فكيف سيخوض مواجهة أو حربا مع دول ؟
الأصل الذي قام عليه العالم هو الصراع ، وعلى الثائر أن يدرك هذه الحقيقة ويعمل لاجلها
صراعه ممتد بينه وبين العالم ، بينه وبين الطبقية الاجتماعية ، بينه وبين السعي وراء الطبقية الاقتصادية. صراع المعتقدات والعادات ، السلام الذي تراه في العالم ليس نتاج التفاهم والعقلانية بل نتاج القوة وموازنتها ، انتم في عالم مرور لا عدل فيه ولا مساواة ولا ديمقراطية .
الديمقراطية التي يتغنى بها العالم صنم من عجوة تؤكل عند تضارب المصالح .
نحن في دوائر توحش ، ثمة عصابات مافية منظمة تحكم العالم لكن بطقم وربطة عنق ، وهذه لا تفهم سوى منطق القوة ، ولا تعي ولا تدرك غير منطق المنفعة والمصلحة ، فمنذ كان الناس قامت الدنيا على المدافعة والمغالبة والخير والشر .
اما الوطن فسواءا كنت موظفا أو عاملا أو إعلاميا أو سياسيا عليك أن يفكر بطريقة وطنية حقيقية إنسانية لا عنصرية ولا مناطقية ولا عقائدية لبناء وطن كبير يتسع للجميع ويحسن اللعب على التناقضات ..
الثورة ليست على حركة ديكتاتورية فحسب ،بل لاقامة نظام حكم جديد متحرر ربما يصبح مثلا يحتذى لكل شعوب المنطقة،وهو أمر لا يمكن أن يسمح به المستعمر وأذنابه وسيسعون لسرقته وافشاله مالم يتذرع اربابه بالقوة والحزم .
ثمة عداء هستيري متجذر للإسلاميين يبرر به المستبدون وشياطينهم استبدادهم ودكتاتوريتهم ويفرضون سيطرتهم عليك رغم انفك ، ولن يقبلوك ولو خرجت من جلدك وبدلت ثيابك وتكلمت لغتهم ، لن يسمعوا الا لصوت واحد هو المنافع والمفاسد التي تحكم منافعهم ، وهذا بداية الطريق لك ، ان احسنت اللعب في هذا الميدان فرضت نفسك كلاعب يقول : إما أن نلعب معا أو نخرب اللعبة ولا لعب لأحد .
لاتنجح ثورة إلا باستأصال الطبقات المتنفذة والمتسلقة والاحداث والطفيلية اللتي تمص دماء ابناء الثورة.وكما فعل روبسبير عندما اجتث طبقة النبلاء الفرنسيين. فنجحت الثورة الفرنسية الى حين .
فالثائر اما للقصر أو للقبر ، لا منزلة بين المنزلتين ، ولا حفظ للقصر الا بلسان يهدي وسيف يحمي .
لا مكان لدولة لا تستحضر عقلية الثورة في كفاحها وحمايتها .
سيشغلونكم بالاشاعات ، بالتناقضات ، بالضغوط ، بالحصار ، بالفتن ، بالاعلام الاصفر ، بالاقليات ، بالمال والبناء والمؤسسات ، بكل ما وصلت اليه شياطين الجن والانس من خبرة ، حتى لا تجدوا وقتا لبناء دولة ولا الحفاظ على الثورة ، ومواجهة هذه التحديات لا تكون بغير رؤية تجمع بين الثورة والدولة ، وتبني القوة التي يراهن الجميع انها تحتاج لعشرات السنوات ان سمح لكم بامتلاكها .
وحق لك ان تقول فما نفعل هل نناطح الصخر مثلا ؟ وهل نواجه العالم ونحن في اضعف ما نكون ؟ أم نتمسكن حتى نتمكن ؟
لن يتركوك لتتمكن ، ولن يصغوا لتمسكنك ، فتمكن رغما عنهم ففي الوقت متسع للتدبير لكن احذر الفخاخ فالفأر لا تقتله المصيدة انما تقتله الرغبة بقطعة الجبن .